منتدى الدكتور /مسعد سيد محمد كتبى لطلاب التاريخ والحضارة
**جميع الاراء و المشاركات الموجودة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي الدكتور مسعد أو رأي إدارة الموقع **
منتدى الدكتور /مسعد سيد محمد كتبى لطلاب التاريخ والحضارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الدكتور /مسعد سيد محمد كتبى لطلاب التاريخ والحضارة

منتدى لطلاب التاريخ والحضارة فى كلية اللغة العربية بالمنصورة


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

من الذبيح من ولدي سيدنا ابراهيم

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1من الذبيح من ولدي سيدنا ابراهيم Empty من الذبيح من ولدي سيدنا ابراهيم السبت 10 ديسمبر 2011, 2:54 am

سليم عرفة ابراهيم

سليم عرفة ابراهيم

المتخد من الشيخ الشعراوي رحمه الله مثله الاعلي
ارجو من الله ان ينفعنا واياكم بهذا العمل المتواضع الذي اقدمه لوجه الله تعالي

« قصة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام »

أقبَلَ الربيع.. وتَدفَّقَت المِياهُ في نَهرَي دِجلةَ والفُرات.. وابتَهَج الناس، وأُقيمَتِ الاحتِفالاتُ في مدينةِ أُور وغيرِها من مُدُنِ بابل.
عندما يُقبِلُ الربيعُ يَفرحُ الناس... وعندما يَرتَفعُ مَنسُوبُ المِياهِ في الأنهار يَفرحُ الفلاّحون.. الناسُ يَفرحونَ لأنّ مَحصولَهُم في الحُقولِ سَيَزداد.
ويَتَوجّه أهالي مدينةِ أُور إلى « الزَّقُّورة » وهو مَعبدٌ مُدرَّجٌ هَرَميُّ الشكل.. يأخذونَ معهم النَّذورَ والهَدايا فيُقدّمونَها إلى الآلهة.. خاصّةً الإله « مَرْدُوخ ».
وأهلُ بابلَ يُقيمونَ احتفالاتِهم خارجَ المُدُنِ في مكانٍ جميلٍ يَحتلفونَ بالربيع، يَرقُصونَ ويأكُلونَ ويَلعَبونَ.. وعندما ينتهي الاحتفال يَعودونَ إلى مَدينتِهم، ويَتوجّهونَ إلى المَعبَد.
المعبدُ في مدينةِ « أُور » في أعلى « الزّقُّورَة »، وهناك تَصطَفُّ الآلهة.. آلهةٌ كثيرةٌ كلّها مَصنوعةٌ ومَنحوتةٌ من الصَّخرِ والحِجارة..
البابليّونَ كانوا يَعبُدونَ الشمسَ والقمرَ.. ويَعبدونَ النُّجومَ ويعبدونَ أيضاً كوكبَ « الزُّهْرَة »... كما يعبدونَ المَلِكَ الذي هو مالِكُ الأرض..
في ذلك الزمانِ وقبلَ أكثرَ من أربعةِ آلافِ سنةٍ.. كانَ النًّمرودُ بن كَنْعانَ هو المَلِك وهو مالكُ الأرض.. ومالكُ الناس أيضاً... كانَ بعضُ الناسِ يَعبدونَهُ لأنّهم يخافون سَطوتَه.. فهو يَقتُلُ ويَسجِنُ ويأخُذُ من المَحاصيلِ ما يشاء..
في الربيع يَحمِلُ الناسُ نُذورَهُم ويَذهبون إلى المَعبد.. يأخذونَ معهم الماعزَ وسنابلَ القمحِ ويقدّمونها إلى الآلهة لكي تَرضى عنهم وتَمنَحَهُم البَرَكةَ والخيرَ!
النُّذورُ كلُّها كانت مِن نصيبِ الكَهَنة.. وكانوا عُلَماء بالنجوم.. لهذا كان الناسُ يَهابونَهُم.. وكان المَلِكُ نفسُه يَستَشيرُهم.
ميلادُ إبراهيم
ذاتَ يومٍ جاءَ كَهَنةُ المعبدِ وقالوا لِلنَّمرود:
ـ إنّ النُّجومَ تُخبِرُنا عن ميلادِ صبيٍّ تكونُ على يَدَيهِ نهايةُ مُلكِك.
قالَ النَّمرودُ بقَلق:
ـ متى سَيُولَد ؟!
قالَ الكَهَنة:
ـ في هذا العام.
في ذلك العامِ أصدَرَ النَّمرودُ أمراً بقتلِ الأطفالِ الذُّكور.
في ذلك العامِ وُلِدَ سيّدُنا إبراهيمُ الخليل..
خافَت الأُمّ على ابنِها.. ذَهَبت إلى المَغارَة.. ووَضَعت طِفلَها البريءَ هناك.. وعادَت إلى منزِلها.
لَم يَعلَمْ أحدٌ بما حَصَل.. النمرودُ قَتَل كثيراً من الأطفالِ ذلك العام.. الأُمّهاتُ كُنَّ يَبْكِينَ على أولادِهِنّ، بعضُهم كان عُمرُه شُهوراً، وبعضُهم أياماً، وبعضُهم ساعاتٍ قليلة.
النَّمرودُ كانَ خائفاً من ذلك الصبيِّ المَوعُود.. وعندما مَرَّ ذلكَ العامَ هدأ بالُه.. لأنّه قتَلَ جميعَ الأولادِ الذَّكور.
وُلِد سيّدُنا إبراهيمُ في مدينةِ « كُوثْريا » قريباً من مدينةِ « أُور » وبابل: نَشأ سيّدُنا إبراهيم في الغار...
اللهُ ربُّنا كانَ يَرعاهُ، عَلَّمهُ كيفَ يَمصُّ إصبعَهُ.. فيَتَغذّى.
« النَّمرودُ » أرادَ أن يَقتُل الصبيَّ.. والله أرادَ أن يعيشَ إبراهيمُ.. يعيش من أجلِ أن يَهدي الناسَ الوثنيّينَ إلى عِبادةِ الله.
كَبُرَ إبراهيمُ.. وجاءت أُمُّه إلى الغار، وقَبَّلَته واحتَضَنَته، ثمّ أخَذَته إلى بَيتِها.. الناسُ كانوا يَظنُّونَ أن إبراهيمَ كان عُمرُه سنتَين أو ثلاثَ سنين.. لم يكونوا يَعلَمون أنّه عُمرَه عِدّةُ أسابيعَ، لهذا لَم يَأخُذْه جنودُ النَّمرود...
الأصنام
في ذلك الزمانِ كان الناسُ يَعبدونَ الأصنامَ، كانوا يَعبدونَ مَرْدُوخَ « إله الآلهة »! و « أي » إله العدلِ والقانون! والإله « سين » إله السماء، والإلهة « عِشْتار » وغيرها.. وكان كثيرٌ منهم يعبدونَ الزُّهرةَ والقَمرَ والشّمسَ.. لم يَكُن هناكَ مَن يَعبدُ اللهَ سبحانه.. في ذلكَ الزمنِ وُلِدَ سيّدُنا إبراهيمُ ونَشَأ..
« آزَر »
كان آزَرُ عالِماً بالنُّجوم.. وكانَ يَصنعُ تَماثيلَ الآلهة.. النَّمرود كانَ يَستَشيرُ آزَر...
عاشَ سيّدُنا إبراهيمُ في مَنزلِ آزَر.. وآزرُ كانَ جَدَّهُ لأُمّه.. لهذا كانَ سيّدُنا إبراهيمُ يقولُ له: يا أبَتي..
كَبُرَ إبراهيمُ وأصبَحَ فتىً... الله سبحانه وَهَبهُ عَقلاً وذَكاءً، كان قَلبُه طاهراً.. نَظيفاً، لهذا لَم يَخشَعْ للأصنام.. لَم يُؤمِنْ بها... كان يَتعَجّبُ كيف يَعبدُ الناسُ الأصنامَ وهم يَنحِتُونها بأيديهم.. اللهُ أكبرُ من ذلك!
ذهبَ إبراهيمُ إلى المدينة..
كانَ يَبحثُ عن الحقيقةِ. كان الوقتُ مَساءً... الظَّلامُ يَغمُرُ المدينة.. ليس هناكَ مِن ضَوءٍ سوى في المَعبدِ.. الناسُ الذينَ كانوا يَعبُدونَ كوكبَ الزُّهرةِ اتَّجهوا إلى السماءِ في خُشُوع.. كانوا يَعتَقِدونَ أنّ ذلكَ الكوكبَ هو رَبُّهم.. هو الذي يَرزُقُهم ويَمنَحُهُم البَرَكة والخَير!
وَقَف إبراهيمُ معهم.. كانَ يَنظُر إلى السماءِ يَبحَثُ عن الحقيقةِ.. يَبحَثُ عن الإلهِ الحقّ... في الأثناءِ بَزَغَ القمرُ.. ظَهَر في السماء. كانَ يتألّقُ بنورِه الفِضيّ..
سيّدُنا إبراهيم كانَ فتىً عاقلاً، أرادَ أن يُنَبِّهَ الناسَ إلى ضَلالِهم، أراد أن يَقولَ لَهُم: إن اللهَ أكبرُ من ذلك.. من أجلِ هذا قال لهم:
ـ هذا رَبِّي!
الناسُ الذيَن كانوا يَعبدُونَ كوكبَ الزُّهرةِ التَفَتوا إليه.. قالوا:
ـ كيف ؟!
قال إبراهيم:
ـ لأنّه في مكانٍ عالٍ.. ويضيء.
وبعد قليل غابَ كوكبُ الزُّهرة، فقال لهم إبراهيم:
ـ كوب الزُّهرة ليس ربّي.
تعجّبوا وقالوا له:
ـ لماذا ؟
فقال إبراهيم:
ـ لقد اختَفى كوكبُ الزهرة الذي تعبدونه.. والإله الحق لا يختفي ولا يغيب...
مَرّ الوقتُ والقمرُ يسيرُ في السماء حتّى اختَفى.
بعد ساعةٍ اشرَقَت الشمسُ.. هتَفَ إبراهيم:
ـ هذا ربّي!... هذا أكبر..
بعضُ الناسِ صَدّقوا ما يَقولُه الفَتى.. ربّما كانَ على حقّ.. الشمسُ هي التي تَهَبهُم النورَ والدِّفء.
ولكنّ الشمسَ غابَت أيضاً وعادَ الظلامُ مرّةً أخرى! نَظَر إبراهيمُ إلى السماء وهَتَف:
ـ أنا أتبرّأُ من عبادةِ الشمس.. إنّها ليست الربَّ المَعبود.. إنني أعبُد الله الذي خَلَق الزُّهرةَ والقمرَ والشمسَ وخلَق الأرضَ والسماءَ وخَلَقنا جميعاً.
الفَتَى المُؤمن
شاعَت كلماتُ إبراهيمَ الفَتَى الذي لا يَهاب الآلهةَ ولا يخافُ مِن النَّمرود...
سَمِعَ الناسُ إبراهيمَ يَسخَرُ من الآلهةِ المُزيَّفةِ التي لا تَضُرُّ ولا تَنفَع.
كَبُرَ إبراهيمُ، أصبَحَ عمرُه ستَّ عَشرةَ سنةً، جميعُ أهلِ بابلَ عرَفوا أن إبراهيمَ لا يَعبُد الآلهة.. كثيرٌ منهم رأوه يَسخَرُ منها.
حتّى آزَرُ جَدُّ إبراهيمَ رآه مرّةً يَنحِتُ صَنَماً جميلاً أجملَ من الاصنامِ التي يَنحِتُها آزر، في البدايةِ فَرِخَ آزَرُ.. ظنّ أنّ إبراهيمَ سيَرَعى المعبدَ معه، ولكنّ إبراهيم كَسّرَ الصنمَ الذي نَحتَه.
آزرُ غَضِبَ كثيراً من عملِ إبراهيمَ، قالَ له:
ـ لماذا حَطَّمت الإلهَ يا إبراهيم ؟! ألا تَخْشى غَضَبَ الآلهة ؟؟
قال إبراهيمُ بأدب:
ـ يا أبتِ لِمَ تَعبُدُ ما لا يَسمَعُ ولا يُبصِرُ ولا يُغْني عنكَ شيئاً ؟!
يا أبتِ لا تَعبُدِ الشَّيطانَ إن الشَّيطانَ كانَ لِلرحمنِ عَصِيّاً.
قال آزرُ بعصبيّة:
ـ أراغِبٌ أنتَ عن آلِهتَي يا إبراهيمُ ؟! لَئِن لَمْ تَنْتَهِ لأرجُمَنَّكَ واهْجُرْني مَليّاً.
كان إبراهيمُ فتىً مُؤدّباً، وكان يُحبُّ جدَّه آزرَ، كانَ يقولُ له: يا أبي.
لهذا سلّم على آزرَ قبل أن يُغادِرَ المنزلَ، قالَ له:
ـ سلامٌ عليكَ، ساستَغفِرُ لكَ ربّي إنّه كانَ بِي حَفيّاً.
دعا إبراهيمُ ربَّه أن يَهديَ آزرَ إلى النورِ وإلى الإيمان.
إبراهيمُ اعتَزَل الناسَ، راحَ يَعبُدُ اللهَ الواحدَ الأحدَ، الناسُ كانوا في كلِّ مناسبةٍ يَذهبونَ إلى المعبِد لَيَركَعوا للأصنامِ ويُقدّموا لها النُّذور، أمّا إبراهيمُ فكانَ يعبدالله وحدَهُ ويَتبرّأ من الأصنامِ والأوثان.
الربيع
كان سيّدُنا إبراهيم يُفكّرُ في هِدايةِ الناسِ إلى عِبادةِ الله الواحد.. الناسُ كلُّهم كانوا يَعبدونَ الأصنامَ والكواكبَ ويعبدونَ أيضاً النَّمرود.
حَلَّ فصلُ الربيعِ وتَفتَّحَت الورودُ، وزادَ الماءُ في النهر.
الناسُ فَرِحوا بالربيع، وبدأوا يَستعدّونَ للاحتفالِ بموسِم الربيعِ والخِصبِ والنَّماء.
في ذلك الزمانِ كانَ الناسُ يَذهَبونَ إلى خارجِ المدينةِ لِيُقيموا الاحتفالَ، يأكُلونَ ويَرقُصونَ، ويَلعَبونَ، بعدَها يَعودونَ إلى المدينةِ ليُقدّموا النذورَ للآلهةِ في المَعبدِ ويُقدّموا الهدايا إلى الكَهَنة.
الناسُ كانوا يَستعدُّونَ للذَّهابِ خارجَ المدينة.. سيّدُنا إبراهيمُ لم يَستعِدَّ ولم يُفكّرْ بالذَّهابِ للاحتفالِ، قالوا له: لِماذا لا تَذهَبُ يا إبراهيم ؟!
سيّدُنا إبراهيمُ قالَ: أنا سَقيم.. مَريض!
كان سيّدُنا إبراهيمُ حَزيناً من أجلِ الناسِ. إنّهم لا يَعرِفونَ الطريقَ الصحيح.
سيّدُنا إبراهيمُ كانَ يَختلِفُ عنهم في كلِّ شيء، كانت مَلابِسُه نظيفةً، وكانَ يُقلِّم أظافِرَهُ ويَحلِقُ شَعرَه.
ذَهَب الناسُ إلى خارجِ المدينةِ، حتّى النَّمرودُ والكَهَنةُ كلُّهم ذَهَبوا للاحتفالِ بالربيع.
ظَلَّ سيّدُنا إبراهيمُ وَحيداً في المدينة، أخَذَ مَعهُ فأساً وذَهَب إلى المَعبدِ الكبير.
في المعبدِ آلهةٌ كثيرةٌ كلُّها مَصنوعةٌ مِن الحَجَر..
بعضُ الآلهة كانَ صغيراً وبعضُها الآخَرُ كانَ كبيراً، وكانَ هناك صَنَمٌ كبيرٌ جدّاً كانوا يُسَمّونَهُ « مَرْدُوخ » إله الآلهة.
صَعِدَ سيّدُنا إبراهيمُ سُلَّمَ المَعبدِ، كانَ المَعبدُ خالياً تماماً...
الأصنامُ فقط كانت مَوجودةً... ورائحةُ الدِّماءِ واللُّحومِ المُتَعفّنة.
نَظَر إبراهيمُ إلى عشراتِ الآلهة المُزَيَّفة. فَكّرَ في نفسِه: كيفَ يَعبُدُ الإنسانُ حَجَراً لا يَنفَعُ ولا يَضُرّ ؟!..
الأصنامُ جامدةٌ في مكانِها لا تَتحرّك، لا تَتكلّم، ولا تَفعلُ شيئاً!
هَتَف سيّدُنا إبراهيمُ بغضب:
ـ ألاَ تأكُلون ؟!
وتَرَدّد صوتُه في المَعبدِ الخالي: ألاَ تأكلون ؟!
صاحَ سيّدُنا إبراهيم:
ـ ما لَكُم لا تَنطِقون ؟!
وتردّدَ صوتُ إبراهيمَ في فضاءِ المَعبدِ: ما لَكُم لا تَنطِقون ؟!
أرادَ سيّدُنا إبراهيمُ أن يُحطِّمَ هذه الآلهةَ المُزيَّفة، أن يُثبِتَ للناسِ أنّها مُجرَّدُ حِجارةٍ صَمّاء.
لهذا استَلّ فأسَهُ وراحَ يُهَشِّمُ وُجوهَ الآلهةِ الحَجَريّة..
كانت الأصنامُ تَتَهاوى تَحتَ ضَرَباتِ الفتى إبراهيم..
كانَت تَتَهاوى أنقاضاً أمامَ قَدَميه.
وصَلَ إبراهيمُ إلى كبيرِ الآلهة.. إنَقَدَحَتْ في ذِهنهِ فِكرة.
عَلّق الفتى إبراهيمُ الفأسَ برقَبَةِ كبيرِ الآلهة.
غادرَ إبراهيمُ المعبدَ بعد أن حَوّلَ الأصنامَ إلى انقاضٍ مَلأت المعبد.. كأنّ زِلزالاً عَنيفاً ضَرَبها وحَطّمها.
غادرَ الفتى إبراهيمُ المعبدَ ونَظرَ إلى السماء.. كان هناك سِرْبٌ من الحَمامِ الأبيض يُحلّق في السماءِ الزرقاءِ بسلام.
انتَهَت احتفالات الربيع، عادَ أهلُ بابلَ إلى المدينةِ. كانَ المساءُ قد حَلّ، وغَمَرَ الظلامُ المدينة.
حانَ وقتُ تقديمِ النُّذورِ إلى الآلهة... تَوجَّهوا إلى المعبدِ الكبير.. كانوا يحملونَ المشاعلَ والنُّذورَ والهدايا ويَتّجهونَ إلى المعبد في موكبٍ طويل.
الكَهَنةُ كانوا يَتقدّمونَ المَوكب.
وهنا أُصيبَ الكهَنَةُ بالدَّهشة.. الناسُ أيضاً كانوا يَنظُرونَ في ذُهول..
كانَ منظرُ الآلهة المُحطَّمة مُدهِشاً.. كلُّ الآلهةِ تَحوّلت إلى أنقاض؛ ما عدا كبيرَ الآلهة!!.
كان سيّدُ الآلهة ما زالَ في مكانهِ جامداً منذ سنينَ طويلة.. ولكنّه في هذه المرّةِ يَحمِلُ على عاتقهِ فأساً!!
لمَ يَتقدّم أحدٌ إلى كبيرِ الآلهة ليسألَهُ عمّا حَصَل!
وهو أيضاً ظَلّ ساكتاً كعادتهِ لأنّه مُجرّدُ حَجَر!
حَدَثَت ضجّةٌ، وتساءل الكَهَنةُ: مَن الذي تَجَرّأ على تَحطيمِ الآلهةِ المُقدّسة!!
قال أحدُهم: هناك شخصٌ واحدٌ يُمكنُ أن يكونَ هو الفاعل.. هو الذي تَجَرّأ على الآلهةِ وكَسَّرها.
إنّه الفتى إبراهيمُ.. طالَما سَمِعناهُ يسْخَرُ منها ويقولُ عنها إنّها لا تَضرّ ولا تَنفع.
الكَهَنةُ كانوا غاضِبين جدّاً.. غاضبين من إبراهيمَ. إنّه الوحيدُ الذي يَذكُر الآلهةَ بالسُّوء!
المُحاكمَة
جاءَ النُّمرودُ إلى المعبد.. لقد حَدَثَ شيءٌ خَطيرٌ يُهدِّدُ عَرْشَ المَلِك بالخَطَر..
لهذا أصدَرَ النَّمرودُ أمراً بإلقاءِ القبضِ على إبراهيمَ ومُحاكمتهِ في المَعبد.
اتَّخَذ القاضي مكانَهُ إلى جانبِ النَّمرود، وكان المعبدُ يَغصُّ بالناس.
أحضَرَ الجنودُ الفتى إبراهيمَ. أوقَفُوه أمامَ القاضي والنَّمرود.
وبَذأت المحكمةُ بحديثِ القاضي:
ـ نَعرِفُ أنّك تسَخَرُ من الآلهة.. ونَعرِفُ أيضاً أنّكَ لم تَشتَرِك مع أهلِ بابلَ في احتفالِ الربيع.
والآنَ أخبِرْنا عن الذي فَعَل هذا بآلهتِنا... هل أنتَ فَعَلتَ هذا بآلهتِنا يا إبراهيم ؟!
قالَ إبراهيمُ بهدوء:
ـ بَلْ فَعَلَهُ كبيرُهم، فاسألُوهم إن كانُوا يَنطِقونَ!
الناسُ جميعاً نَظَروا إلى كبيرِ الآلهة.. كانَ يَحمِلُ على عاتقهِ فأساً، ولكنّه لم يَقُل شيئاً أبداً.
قال القاضي:
ـ ولكنّك تَعرِفُ أن هؤلاءِ لا يُمكِنهُمُ النُّطقُ ولا يُمكِنُهم أن يَتَكلّموا حتّى يكونَ بِمَقدورِهم الجَواب!!
وهنا قالَ إبراهيم:
ـ فكيفَ تَعبُدونَ ما تَنحِتُونَ بأيديكُم ؟!
كيفَ تَعبُدونَ أصناماً حَجَريّةً لا تَضرُّ ولا تَنفعُ ولا تَتكلّمُ ولا تَستَقبلُ نُذورَكُم وهَداياكُم؟!
كلُّ الناسِ في المعبدِ أطرَقُوا برؤوسِهم.. حتّى القاضي أطرَقَ برأسِه.. قالوا في أنفسِهم: إنّ الحقَّ مع إبراهيم، كيف يكونُ الحَجَرُ إلهاً.. كيف نَعبدُ تِمثالاً جامداً لا روحَ فيه ولا حياة ؟!
الكَهَنةُ غَضبوا.. ليس في مَصلحتِهم أن يَهتديَ الناسُ. ستَزولُ سُلطتُهم ويَنتهي نُفوذُهم. لهذا صاحُوا:
ـ كيفَ تَغفِرونَ لإبراهيمَ ما فَعَله بالآلهةِ المُقدّسة!!
كيفَ تَتسامحونَ مع إبراهيمَ الذي حَطَّم آلهتَنا التي تَهَبُنا الخيرَ والخِصْب ؟؟
النَّمرودُ وَقَفَ إلى جانبِ الكَهَنةِ. تذكّر نُبوءتَهم القديمةَ عن الصبيِّ الذي سيكونُ زوالُ مُلكهِ على يَدَيه!
صَرخَ النَّمرودُ بصوتٍ حانِق:
ـ إنَ ما فعَلَه إبراهيمُ جريمةٌ، وهو يَستحقُّ العقوبة.
الناسُ جميعاً نهَضَوا إجلالاً للنَّمرودِ وتأييداً له..
النَّمرودُ قال:
ـ يَجبُ أن نُدافعَ عن الآلهةِ المقدّسة... وأن يُعاقَبَ إبراهيمُ بإلقائه في النار.
الناسُ جميعاً حتّى آزرُ جدُّه هَتَفوا ضِدّ إبراهيم.
كان هناكَ أفرادٌ قلائلُ حَزَنوا من أجلِ إبراهيم، بَينَهُم سارةُ بِنتُ خالتهِ ولُوط.
كانت سارةُ فتاةً عاقلةً آمَنَت بكلماتِ إبراهيم، ولوطٌ أيضاً هو الآخَرُ كان مُؤمناً باللهِ الواحدِ الأحدِ وبرسالةِ سيّدِنا إبراهيم.
أُلقيَ سيّدُنا إبراهيمُ في السِّجن إلى حينِ تنفيذِ الحُكم.
النارُ التي أُريدَ إلقاءُ إبراهيمَ فيها، كانت عظيمةً.. كبيرةً جدّاً، لهذا بَدأوا بجمعِ الحَطَب.
مَضَت أيامٌ وليالٍ وهم يَجمعونَ الحَطَبَ... كلُّ الناسِ الوثنيّينَ كانوا يُسهِمونَ بجمعِ الحَطَبِ من أجلِ الثأرِ للآلهةِ المُحَطَّمة!
في تلك الفترةِ أرادَ النمرودُ أن يُجادِلَ إبراهيمَ حولَ الإله الواحد!!
جاءَ إبراهيمُ إلى قصرِ النَّمرود؛ وقَفَ أمامَ النَّمرودِ. لم يَنْحَنِ له ولم يَسجُدْ، لم يَركعْ له ولم يَخضَعْ.
سيّدُنا إبراهيم لا يخافُ أحداً إلاّ الله، ولا يَعبدُ أحداً إلا الله سبحانه.
قال النَّمرودُ بِغُرور:
ـ مَن هذا الإله الذي تَعبدُه يا إبراهيم ؟
قال سيّدُنا إبراهيم:
ـ إنني أعبدُ الإله الذي يُحيي المَوتى، ويُميتُ الأحياء.
قال النَّمرودُ باستعلاء:
ـ أنا أُحيي وأُميت!
صَفّقَ النمرودُ بيدِه وصاح:
ـ أحضِروا سَجيناً وشخصاً آخرَ محكوماً بالموت.
جاء الحُرّاسُ ومعهم شَخصانِ مُقيَّدانِ بالسَّلاسِل والأغلال.
قالَ النمرودُ للجَلاّد:
ـ اضرِبْ عُنُقَ هذا السجين، وأطلِقْ سَراحَ المحكومِ بالمَوت.
التَفَت النمرودُ لإبراهيمَ وقال:
ـ هل رأيتَ ؟! لقد أمَتُّ الحَيّ وأحيَيْتُ المَيِّت ؟!
سيّدنا إبراهيمُ أعرَضَ عن مُجادَلةِ النمرودِ في هذا الموضوع.. لأنّ ما فَعَلُه النمرودُ لم يكن صحيحاً، لهذا قال له:
ـ إنّ ربّي الذي أعبُدُه جَعَلَ الشمسَ تَطلعُ من المَشرِق، فهل يُمكنكَ أن تَجعَلها تَطلعُ من المَغرب ؟
فُوجئ النمرودُ بسؤالِ إبراهيم!! إن أحداً لا يَملِكُ القدرةَ على ذلك، لهذا بُهِتَ النمرودُ الكافرُ ولم يَقُلْ شيئاً.
الطُّيورُ الأربعة
فكّر النَّمرود مرّةً أخرى أن يُجادِلَ سيّدَنا إبراهيمَ.. أن يقولَ له:
أنا أحيي وأميت، أمّا ربُّك فلا يقَدِرُ على ذلك ؟
أنتَ تدّعي ذلك فقط..
مرّةً أخرى أخرَجوا إبراهيمَ من سجنهِ، أوقَفُوه أمامَ النمرودِ. قال له: ألم تَقُل إن ربَّكَ يُحيي ويُميت ؟ فهَيّا أرِني ذلك.
نَظرَ سيّدُنا إبراهيمُ إلى السماء، وقال: إنّ ربّي قادرٌ على ما يشاء..
رَفَع إبراهيمُ يدَيه إلى السماءِ وقالَ:
ـ ربِّ أرِني كيف تُحيي المَوْتى.
اللهُ ربّنا قال:
أوَ لَم تُؤمِنْ يا إبراهيم ؟!
قالَ سيّدُنا إبراهيم:
ـ نَعَم، أنا أؤمن، ولكنْ لِيطمئنّ قلبي.
أوحىَ الله سبحانه أن يأخُذَ أربعةً من الطُّيورِ ويَذبَحَهُنَّ ثم يُوزِّع لُحومَهنّ على أربعةِ جبال..
سيّدُنا إبراهيمُ أخَذَ سِكّيناً وذبَحَ أربعةَ طيورٍ، وضَعَ لُحومَهنّ على أربعةِ جبال.
ليس هناك مَن يَستطيعُ أن يُعيدَ الحياةَ إلى الطيورِ الميّتة، إلاّ الله

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى